كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد علمت مما ذكرنا أن بعض طرق حديث: «إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» لا تقل عن درجة القبول. وهو نص في محل النزاع مع أنه معتضد بما ذكرناه من حديث عائشة، عند الشيخين. وبظاهر الآية كما بينا، وبما سيأتي أيضًا إن شاء الله تعالى.
ومن أدلتهم على لزوم السعي ما جاء في بعض روايات حديث أبي موسى المتفق عليه، من أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال: «قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم. فقال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النَّبي صلى الله عليه وسلم. قال: فقد أحسنت. طف بالبيت وبالصفا والمروة» الحديث قالوا: فقوله صلى الله عليه وسلم لأَبي موسى الأشعري «طف بالبيت وبالصفا والمروة» أمر صريح منه صلى الله عليه وسلم بذلك، وصيغة الأمر تقتضي الوجوب ما لم يقم دليل صارف عن ذلك، وقد دل على اقتضائها الوجوب: الشرع واللغة.
وقال بعضهم: إن العقل يفيد ذلك، وليس بسديد عندي، أما دلالة الشرع على ذلك ففي نصوص كيرة كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وهذا الوعيد العظيم على مخالفة أمره، يدل على وجوب امتثال أمره، وكقوله تعالى: لإبليس لما لم يمتثل الأمر المدلول عليه بصيغة أفعل التي هي قوله تعالى: {اسجدوا لآدَمَ} [الأعراف: 11] {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] الآية فتوبيخه وتقريعه له في هذه الآية لمخالفته الأمر، وقد سمي نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، مخالفة الأمر معصية وذلك يدل على وجوب الامتثال في قوله تعالى عنه {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93] وكقوله تعالى: {وما كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فجعل أمر الله ورسوله مانعًا من الاختيار موجبًا للامتثال، منبهًا على عدم الامتثال معصية في قوله بعده: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36] وكقوله تعالى: {وما آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وما نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» إلى غير ذلك من الأدلة.
وأما دلالة اللغة على اقتضاء صيغة أفعل الوجوب. فإيضاحها أن أهل اللسان العربي مجمعون على أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء مثلًا، ثم لم يمتثل العبد وعاقبه سيده على عدم الامتثال كان ذلك العقاب واقعًا موقعه، لأن صيغة أفعل ألزمته الامتثال، وليس للعبد أن يقول: صيغة افعل لم توجب على الامتثال، ولم تلزمني إِياه؟ فعقابك لي غلط لأني لم أترك شيئًا لازمًا، حتى تعاقبني عليه. وإجماعهم على أنه ليس له ذلك وأن عقابه له صواب لعصيانه، دليل على أن صيغة أفعل تقتضي الوجوبن ما لم يصرف عنه صارف، وهو قول جمهور الأصوليين. ومقابله أقوال أخر، اشار لها في مراقي السعود بقوله في مبحث الأمر:
وافعل لدى الأكثر للوجوب ** وقيل للندب أو المطلوب

وقيل للوجوب أمر الرب ** وأمر من أرسله للندب

ومفهم الوجوب يدري الشرع ** أو الحجا أو المفيد الوضع

وقال بعض أهل العلم: إن دلالة اللغة على اقتضاء الأمر الوجوب راجعة إلى دلالة الشرع، لأن الشرع هو الذي دل على وجوب طاعة العبد لسيده.
ومن أدلتهم على أن السعي بين الصفا والمروة لابد منه: ما قدمنا من حديث ابن عمر عند الترمذي، أنه صلى الله عليه وسلم قال «من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا» قال المجد في المنتقى: رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وفيه دليل على وجوب السعي، ووقوف التحلل عليه. انتهى منه.
والذي رأيته في الترمذي لما ساق الحديث بلفظه المذكور: هو أنه قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح، تفرد به الداوردي على ذلك اللفظ، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر، ولم يرفعوه. وهو أصح. انتهى منه.
ومن أدلتهم على ذلك: ما جاء في بعض الروايات الثابتة في الصحيح، من أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها «يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك» وهذا اللفظ في صحيح مسلم، قالوا: ويفهم من قوله «يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك» أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها أجزاء عن حجها وعمرتها، هذا هو حاصل ما استدل به القائلون بأنه ركن من أركان الحج والعمرة.
وأما حجة الذين قالوا: إنه سنة لا يجب بتركه شيء، فهي قوله تعالى: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158] قالوا: فرفع الجناح في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} دليل قرأني على عدم الوجوب، كما قاله عروة بن الزبير، لخالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والجواب عن الاستدلال بهذه الآية على عدم وجوب السعي: هو ما أجابت به عائشة عروة، فإنها أولًا ذمَّت هذا التفسير لهذه الآية بقولها: بئس ما قلت يا ابن أختي، ومعلوم أن لفظة بئس فعل جامد لإنشاء الذم، وما ذمت تفسير الآية بما ذكر، إلا لأنه تفسير غير صحيح، وقد بينت له أن الآية نزلت جوابًا لسؤال من ظن أن في السعي بين الصفا والمروة جناحًا، وإذًا فذكر رفع الجناح لمطابقة الجواب للسؤال، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، فلو سألك سائل مثلًا قائلًا: هل على جناح في أن أصلي الخمس المكتوبة؟ وقلت له: لا جناح عليك في ذلك، لم يلزم من ذلك أنك تقول: بأنها غير واجبة، وإنما قلت: لا جناح في ذلك، ليطابق جوابك السؤال، وقد دلت قرينتان على أنه ليس المراد رفع الجناح، عمن لم يسع بين الصفا والمروة.
الأول منهما: أن الله قال في أول الآية: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله} [البقرة: 158] وكونهما من شعائر الله، لا يناسبه تخفيف أمرهما برفع الجناح عمن لم يطف بينهما، بل المناسب لذلك تعظيم أمرهما، وعدم التهاون بهما، كما أوضحناه في أول هذا المبحث.
والقرينة الثانية: هي أنه لو أراد ذلك المعنى لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، كما قالت عائشة لعروة، وقد تقرر في الأصول: أن اللفظ الوارد جوابًا لسؤال لا مفهوم مخالفة له، لأن المقصود به مطابقة الجواب للسؤال، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق، وقد أوضحنا هذا في سورة البقرة في الكلام على آية الطلاق، وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله عاطفًا على ما يمنع اعتبار دليل الخطاب، أعني مفهوم المخالفة:
أو جهل الحكم أو النطق انجلب ** للسؤل أو جرى على الذي غلب

ومحل الشاهد منه قوله: أو النطق انجلب للسؤل.
ومعنى ذلك: أن المنطوق إذا كان جوابًا لسؤال فلا مفهوم مخالفة له، لأن المقصود بلفظ المنطوق مطابقة الجواب للسؤال، لا إخراج المفهوم عن حكم المنطوق.
فإن قيل: جاء في بعض قراءات الصحابة {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} كما ذكره الطبري، وابن المنذر وغيرهما، عن أُبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم.
فالجواب من وجهين:
الأول: أن هذه القراءة لم تثبت قرأنًا لإجماع الصحابة على عدم كتبها في المصاحف العثمانية، وما ذكره الصحابي على أنه قران، ولم يثبت كونه قرأنًا. ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يستدل به على شيء، وهو مذهب مالك، والشافعي، ووجهه أنه لما لم يذكره إلا لكونه قرأنًا، فبطل كونه قرأنًا بطل من أصله، فلا يحتج به على شيء، وقال بعض أهل العلم: إذا بطل كونه قرأنًا لم يمنع ذلك من الاحتجاج به كأخبار الآحاد، التي ليست بقرأن، فعلى القول الأول: فلا إشكال، وعلى الثاني: فيجاب عنه بأن القراءة المذكورة تخالف القراءة المجمع عليها المتواترة، وما خالف المتواتر المجمع عليه إن لم يمكن الجمع بينهما فهو باطل، والنفي والإثبات لا يمكن الجمع بينهما لأنهما نقيضان.
الوجه الثانيك هو ما ذكره ابن حجر في الفتح عن الطبري والطحاوي، من أن قراءة: أن لا يطوف بهما، محمولة على القراءة المشهورة، ولا زائدة. انتهى. ولا يخلو من تكلف كما ترى.
واعلم أن قوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158] لا دليل فيه، على أن السعي تطوع، وليس بفرض، لأن التطوع المذكور في الآية راجع إلى نفس الحج والعمرة، لا إلى السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع، والعلم عند الله تعالى.
وأما حجة من قال: السعي واجب يجبر بدم، فهي أن النَّبي صلى الله عليه وسلم طاف بينهما فدل ذلك على أن الطواف بينهما نسك، وفي الأثر المروي عن ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم. وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الفرع الأول: اعلم أن جمهور العلماء على أن السعي لا تشترط له طهارة الحدث، ولا الخبث، ولا ستر العورة، فلو سعى، وهو محدث أو جنب، أو سعت امرأة وهي حائض، فالسعي صحيح، ولا يبطله ذلك، وممن قال به الأئمة الأربعة، وجماهير أهل العلم، وقال الحسن: إن كان قبل التحلل تطهر وأعاد السعي، وإن كان بعده، فلا شيء عليه، وذكر بعض الحنابلة رواية عن الإمام أحمد: أن الطهارة في السعي، كالطهارة في الطواف. قال ابن قدامة في المغني: ولا يعود عليه، والطهارة في السعي مستحبة عند كثير من أهل العلم، وهو مذهب مالك والشافعي، وأحمد وغيرهم. وحجة الجمهور على أن السعي لا تشترط له الطهارة: هي ما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه، وقد أمرها النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور: أن تفعل كل ما يفعله الحاج، وهي حائض إلا الطواف بالبيت خاصة. وهو دليل على أن السعي لا تشترط له الطهارة، خلافًا لمن قال: لا دليل في الحديث، لأن السعي لا يصح إلا بعد طواف، والحيض مانع من الطواف، وهو مردود بأن النفي والإثبات نص في أن غير الطواف يصح من الحائض ويدخل فيه السعي.
وقال ابن قدامة في المغني: قال أبو داود: سمعت أحمد، يقول: إذا طافت المرأة بالبيت، ثم حاضت سعت بين الصفا والمروة ثم نفرت. وروي عن عائشة، وأم سلمة أنهما قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت، وصلت ركعتين، ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة، رواه الأثرم. وقال ابن قدامة أيضًا: ولأن ذلك عبادة لا تتعلق بالبيت، فأشبهت الوقوف. انتهى منه.
وقال أيضًا في المغني: ولا يشترط أيضًا الطهارة من النجاسة ولا الستارة للسعي، لأنه إذا لم تشترط له الطهارة من الحدث وهي آكد فغيرها أولى.
الفرع الثاني: اعلم أن جمهور أهل العلم يشترطون في السعي الترتيب، وهو أن يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط، وممن قال باشتراط الترتيب: مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحابهم، والحسن البصري، والأوزاعي، وداود، وجمهور العلماء، وعن أبي حنيفة خلاف في ذلك.
قال صاحب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، في فقه الإمام أبي حنيفة رحمه الله: ولو بدأ من المروة لا يعتد بالأولى لمخالفته الأمر. انتهى منه.
وقال الشيخ شهاب الدين الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق المذكور قوله: ولو بدأ بالمروة لا يعتد بالأولى. وفي مناسك الكرماني: إن الترتيب فيه ليس بشرط عندنا، حتى لو بدأ بالمروة، وأتى الصفا جاز ويعتد به، ولَكِنه مكروه لترك السنة. فتستجيب إعادة ذلك الشوط.
قال السروجي رحمه الله في الغاية: ولا أصل لما ذكره الكرماني.
وقال الرازي في أحكام القران: فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يعتد بذلك في الرواية المشهورة، عن أصحابنا، وروي عن أبي حنيفة: أنه ينبغي له أن يعيد ذلك الشوط، فإن لم يفعل، فلا شيء عليه، وجعله بمنزلة ترك الترتيب في أعضاء الطهارة. اهـ. فقول السروجي: لا أصل لما قاله الكرماني فيه نظر. انتهى منه.
وحجة الجمهور في اشتراط الترتيب: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال «أبدأ بما بدأ الله به» وفي رواية عند النسائي «ابدؤوا بما بدأ الله به» بصيغة الأمر، ومع ذلك فقد قال «خذوا عني مناسككم» فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا الابتداء بما بدأ الله به، وفعله صلى الله عليه وسلم عملًا بالقران العظيم.
الفرع الثالث: اعلم أن جمهور أهل العلم على أن السعي لا يصح، إلا بعد طواف، فلو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه، عند الجمهور، منهم الأئمة الأربعة، ونقل الماوردي وغيره الإجماع عليه. قال النووي في شرح المهذب: وحكى ابن المنذر، عن عطاء، وبعض أهل الحديث: أنه يصح، وحكاه أصحابنا عن عطاء، وداود وحجة الجمهور: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يسع في حج، ولا عمرة إلا بعد الطواف، وقد قال «لتأخذوا عني مناسككم» فعلينا أن نأخذ ذلك عنه، واحتج من قال بصحة السعي قبل الطواف بما رواه أبو داود في سننه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن الشيباني، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: خرجت مع النَّبي صلى الله عليه وسلم حاجًا فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله سعيت، قبل أن أطوف، أو قدمت شيئًا، أو أخرت شيئًا، فكان يقول:
«لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم، وهو ظالم له، فذلك الذي حرج وهلك» انتهى منه. وهذا الإسناد صحيح، ورجاله كلهم ثقات معروفون. وجرير المذكور فيه هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي القاضي والشيباني المذكور فيه: هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الكوفي، ورجال هذا الإسناد كلهم مخرج لهم في الصحيحين إلا الصحابي، الذي هو أسامة بن شريك. وقد أخرج عنه أصحاب السنن، وروي عنه زياد بن علاقة المذكور، وعلي بن الأقمر، خلافًا لمن قال: لم يرو عنه إلا زياد المذكور، كما ذكره في تهذيب التهذيب عن الأزدي، وسعيد بن السكن، والحاكم وغيرهم، وهذا الحديث الصحيح يقتضي صحة السعي قبل الطواف، وجماهير أهل العلم على خلافه، وأنه لا يصح السعي، إلا مسبوقًا بالطواف.
قال النووي في شرح المهذب: في حديث أسامة بن شريك هذا بعد أن ذكر صحة الإسناد المذكور، وهذا الحديث محمول على ما حمله عليه الخطابي وغيره، وهو أن قوله: سعيت قبل أن أطوف: أي سعيت بعد طواف القدوم، وقبل طواف الإفاضة والله تعالى أعلم انتهى منه.
فقوله: قبل أن أطوف يعني: طواف الإفاضة الذي هو ركن، ولا ينافي ذلك أنه سعي بعد طواف القدوم الذي هو ليس بركن.
الفرع الرابع: اعلم أن جمهور أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة: مالك، وأحمد، والشافعي، وأصحابهم، على أنه يشترط في صحة السعي، أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة في كل شوط، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه، وقد قدمنا مذهب أبي حنيفة في السعي، وأنه لو تركه كله أو ترك أربعة أشواط منه فأكثر لصح حجه، وعليه دم وأنه إن ترك منه ثلاثة أشواط فأقل لزمه عن كل شوط نصف صاع، وحجة أبي حنيفة، ومن وافقه كطاوس هي تغليب الأكثر على الأقل، مع جبر الأقل بالصدقة، ولا أعلم مستندًا من النقل للتفريق بين الأربعة والثلاثة، ولا لجعل نصف الصاع مقابل الشوط. والعلم عند الله تعالى.